نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عودة الكتاتيب - الصبح, اليوم الجمعة 20 ديسمبر 2024 05:33 صباحاً
أسعدني كثيرا خبر اطلاق وزارة الأوقاف المصرية، مبادرة «عودة الكتاتيب من جديد» تحت رعاية الدكتور أسامة الأزهرى، وزير الأوقاف، بهدف حفظ القرآن الكريم ومعرفة معانيه والتعرف على أصول الدين الإسلامي من خلال المنهج الوسطى الأزهرى على أيدى نخبة مختارة من المحفظين، واستقطاب النشء وتحصينهم، ضمن المبادرة الرئاسية «بداية جديدة لبناء الإنسان».
وبالطبع أثار الخبر نوع من اللغط والشد والجذب بين مؤيد ومعارض .
ولمن لا يعرف معنى "الكُتّاب" ودوره ، فهو في الأصل مؤسسة تعليمية تقليدية بدائية انتشرت في القُرى والمناطق الشعبية قديما ،
وقد لعب "الكُتّاب" على مر العصور دورًا جوهريًا في حياة أهل القرى والريف فقد كان الوجهة الأساسية لتحفيظ القرآن الكريم للأطفال وكان بمثابة المدرسة الأولى التي يتلقى فيها الأطفال مبادئ الدين الإسلامي، ويؤسسون فيها معارفهم اللغوية والدينية، وكان هو البديل للمدارس النظامية في تعليم القراءة والكتابة حيث كان التعليم النظامي محدودًا ، مما ساهم بشكل كبير في تشكيل الهوية الثقافية والدينية للمجتمع الريفي المصري ، ومع ذلك لم يقتصر على أبناء غير القادرين بل كان مكانًا يجتمع فيه الأطفال من مختلف الطبقات الاجتماعية الراغبة في تعليم أبناءها صحيح الدين وقواعد اللغة العربية ، مما عزز روح التعاون والمساواة .
وقد شكل "الكُتّاب" قديما حجر الزاوية في تعليم الأطفال أصول الدين الإسلامي ، وكان الشيخ أو المُعلم في الكُتّاب يقوم بتحفيظ القرآن الكريم ، مع شرح معانيه وتفسيره بأسلوب مبسط يناسب عقول الأطفال ، ولم يكن الأمر مقتصرًا على الحفظ فقط ، بل كان الأطفال يتعلمون مبادئ العقيدة الإسلامية الصحيحة ، والآداب العامة، وقيم الأخلاق التي تعد جزءًا لا يتجزأ من التعليم في الإسلام ، كما لعب الكُتّاب دورًا محوريًا في تعزيز اللغة العربية الفصحى لدى الأطفال ، من خلال تلاوة القرآن الكريم وفهم معانيه، وتعليم الأطفال قواعد اللغة العربية بطلاقة، بما في ذلك النحو والصرف بسلاسة وتلقائية، مما ساعدهم في التعبير عن أنفسهم باللغة العربية الصحيحة .
وقد ساهم "الكُتّاب" بشكل كبير في إفراز جيل مثقف وواع ، ويعتبر أيضا النواة التعليمية الأولى لكبار المفكرين والكتاب والفنانين المصريين الذين أكملوا طريقهم العلمي والأدبي فيما بعد أمثال عميد الأدب العربي د.طه حسين ، والكاتب والمفكر الكبير الدكتور عباس محمود العقاد، ورائد التنوير في مصر رفاعة الطهطاوي ، والموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب ، وسيدة الغناء العربي أم كلثوم ، والعديد والعديد من عظماء ومشاهير الوطن العربي الذين أثروا بشكل كبير في المجتمعات العربية كافة .
وعلى الرغم من تركيز "الكُتّاب" على تعليم الدين الإسلامي ، إلا أنه كان يهتم بتعليم المهارات الاجتماعية والاحترام والتسامح ، التي أسهمت في بناء مجتمع قوي ومتماسك ، كما لم يكن مروجاً أبداً للأفكار المتطرفة المغلوطة ، ولم يزرع الفرقة بين أبناء المجتمع الواحد من معتنقي الأديان المختلفة بل على العكس فقد كان أبناء "الكُتّاب" يتعلمون صحيح الدين ويعرفون حقيقة الإسلام وتعاليمه السمحة التي تدعو للسلام والخير وحسن التعامل مع خلق الله جميعا ، ويفهمون جيدا معنى قول الرسول صل الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " فأساس الدين الإسلامي الالتزام بمكارم الأخلاق .
ومع الأسف شيئا فشيئ ولأسباب عدة بدأ دوره في التراجع ، واختفى وجود هذه المؤسسة العلمية التي تبدو بسيطة إلا أن دورها كان عظيما وبخاصة في الريف والمناطق الشعبية .
ومع خلو الساحة من مكان موثوق به لنشر مبادئ الدين الصحيح وترسيخها في المجتمع وبخاصة الريفي والمناطق الفقيرة ، اتجه الكثير من أبناء تلك المناطق للجوء لمصادر متنوعة أغلبها "مجهولة الهوية والعلم " للتعرف على تعاليم دينهم ممن هم ليسوا أهلا لتعليمه ، وبدأت الأفكار المغلوطة والمتطرفة تحتل العقول الظمآنة من خلال شيوخ " بير السلم " الذين انتشروا بشكل كبير في الزوايا والمساجد الصغيرة ، وأصبحوا هم البديل والمصدر السهل المتاح والقريب لملأ العقول وتغيير الهوية وتوجيهها نحو التطرف الفكري والديني الذي عانى منه المجتمع لعقود طويلة ولازال يعاني ، وبخاصة أن الأمر تطور ولم يعد يقتصر على أهل الريف وانتشرت أفكارا لا تمت للدين بصلة في المجتمع ككل واتسعت دوائر انتشارها ، لذا وجب التفكير في حلول خارج الصندوق أو ربما العودة للصناديق القديمة والمُجربة وذات النتائج الإيجابية .
وكمواطنة مصرية مسلمة وبشكل شخصي أؤيد وبشدة عودة الكتاتيب في الريف والمناطق الشعبية المختلفة ، لتصبح المكان الأساسي الموثوق به في غرس مبادئ الدين الإسلامي على أيادي المتخصصين من ذوي العلم والعلماء وتحت مظلة الأزهر الشريف الكيان الأكبر الذي يقصده مسلمو العالم أجمع لتعلم أصول الدين الإسلامي .
ولم لا ؟ فكما لعب الكُتّاب دورًا استثنائيًا في تاريخ التعليم في الريف المصري قديما ، نأمل في أن يصبح بمثابة نافذة الأطفال على الدين الإسلامي واللغة العربية الفصحى في الحاضر ، وبما أن دوره لا يقتصر فقط على التعليم ، بل أنه يشمل ترسيخ القيم الأخلاقية والاجتماعية، فقد يساهم في بناء مجتمعات ريفية قوية علمياً وثقافياً وأخلاقياً .
في اعتقادي أن الهدف الأساسي من عودة الكُتّاب هو إيجاد مكان موثوق به كمصدر أول وأساسي لتعليم الأطفال منذ البداية تعاليم دينهم ، وإغلاق الباب أمام طيور الظلام من أصحاب الأفكار الخاطئة من غير المتخصصين والدخلاء ومخربي العقول ، ومساعدة الأجيال الجديدة في الارتقاء الديني والفكري والثقافي والتمسك بالأخلاق الحميدة وتقوى الله التي تعتبر بداية إصلاح المواطن والمجتمع .
0 تعليق